لبنان الذي يوصف بأنه بلد الأنهار الكثيرة يواجه جفافا غير مسبوق, بسبب التغيرات المناخية التي شملت أنحاء متفرقة من العالم, ولم تكن الأراضي اللبنانية بعيدة عنها.
الظروف المناخية التي تعرضت لها الأراضي اللبنانية مؤخرا لم تسمح بتعويض فاقد المياه من 11 نهرا على الساحل فضلا عن ثلاثة في الداخل.
يسود لبنان مناخ متنوّع في فصول أربعة لأنه يقع في منطقة الاعتدال المناخي، خلافا لمناطق الاستواء الحارة ومحيطها المداري، حيث الحرارة والرطوبة العاليتان طوال العام، وكذلك مناطق التجمّد، ومحيطها حيث البرودة الشديدة والجفاف.
هذه الأوضاع المناخيّة المتقلبة تتابعها مصلحة الأبحاث العلميّة الزراعية التابعة لوزارة الزراعة، وهي تستوعب ثماني محطات رصد منتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية.
واقع خطير
في هذا الصدد يصف رئيس فرع الريّ والأرصاد الجويّة في مصلحة الأبحاث الدكتور فادي كرم واقع العام الحالي بأنه "خطير جدا".
يقول كرم في تصريح للجزيرة نت إنّ جفاف العام الحالي لم يسبق له مثيل منذ سنين طويلة. وهناك خطر يهدّد احتياط لبنان المائي. حيث يوجد عجز من العام الماضي لم تسمح ظروف المناخ حاليا بتعويضه.
في أول سبتمبر/أيلول تتساقط الأمطار بشكل متقطع لتخفف من وطأة الجفاف الصيفي، في هذا الموسم يردّد الناس "أيلول طرفه بالشتي مبلول".
ويعود الطقس إلى الجفاف، يردّد اللبنانيون أن بين تشرين الأول وتشرين الثاني صيفا ثانيا.
يقول كرم "إن دراسات التغيرات المناخيّة تلاحظ أن بدء السنة المطريّة انتقل من أول أيلول إلى بداية تشرين الثاني مما يعني خسارة شهرين مطريين تتسبب بجفاف الينابيع والأنهار".
حديث الأرقام
وتقارن المهندسة الزراعية في محطة تل عمارة رندة مسعد للجزيرة نت أرقاما مقارنة للمطر بين اليوم والمعدّل العام، في أربع مناطق مختلفة، تظهر حجم الأزمة.
في البقاع 5.9 ملم لهذا العام مقابل خمسين ملم كمعدّل عام، وفي الجنوب 3.6 ملم مقابل 91.9 ملم، وفي الشمال 34.1 ملم مقابل 141.5 ملم. وفي الجبل 13 ملم مقابل 67.9 ملم.
وتشير أيضا إلى أنه لا توجد مصادر سطحية للمياه لسدّ الحاجات المنزلية والزراعية، فيقع الضغط على المخزون الجوفي، وهنا برأيها مكمن الخطر.
وفي هذا الإطار يضرب المثل بنهر الليطاني الذي تحوّل برأيها إلى ساقية كأكبر دليل على نتائج انحباس المطر.
أما المهندس الزراعي مروان سابا فيذهب إلى رصد نتائج أخرى لانحباس المطر منها تأثر الآبار الارتوازية حلوة المياه عند انخفاض منسوبها، خصوصا في المناطق الساحلية، بإمكانية الاختلاط بمياه البحر المالحة.
كما تتعرض الأشجار الحرجية =خاصة الصنوبريات- للجفاف فتضعف تغذيتها لأنها تعيش في الأماكن الصخرية قليلة التربة. أما الحشرات والفطريات فتستمر في التكاثر في هذا المناخ، فتزيد كلفة مكافحتها.
والضرر الكبير هنا يصيب الزراعات الشتوية التي تتطلب زيادة في الري، وبالتالي زيادة في كلفة الإنتاج الناجمة عن استهلاك المازوت لتشغيل مضخات المياه